" رسم هذه الصورة الذاتية , ذكرك بالصورة التي رسمتَها لفينسنت , في أسابيع العزلة تلك التي فرضتها الأمطار والرياح الشمالية الباردة , في البيت الأصفر في آرل , حين رسمته وهو يرسم عباد الشمس , الزهرة المتسلطة على عقل الهولندي . فقد كان يرسمها دون هوادة , وغالباً ما يشير إليها عندما يعرض نظرياته حول الرسم . فهذه الزهور في رأيه لا تتابع حركة الشمس مصادفة , أو في استجابة عمياء لقوانين الطبيعة . إن فيها شيئاً من نار النجم الملك , وإذا ما راقبها المرء بورع فينسنت وعناده في مراقبتها , فإنه سيلمح "الهالة" المحيطة بها . وبرسمها , كان يحاول أن يجعلها مشاعل وقناديل , دون أن تتخلى عن كونها عباد شمس . يا للجنون ! عندما أراك الهولندي المجنون البيت الأصفر , أول مرة عرض عليك بفخر زهور عباد الشمس التي رسمها وهي تشع , حرفياً , ذهباً سائلاً ومتوهجاً على سريرك . وقد كبحتَ بصعوبة إيماءة استياء . لهذا السبب رسمته محاطاً بعباد الشمس . ولم يكن في الصورة – بكل تعمد – ذلك الضوء الرجراج الذي يفرضه فينسنت على لوحاته . بل على العكس , كانت كالحة بعض الشيء , شاحبة , وتبدي فيها الأزهار , والرسام على السواء , ظلالها الغائمة المختلطة بمحيطها . وأكثر مما هو كائن بشري محدد ومتماسك , بدا فينسنت حزمة , دمية متيبسة , محنطة , فريسة توتر لايطاق , يوشك أن ينفجر , يفرقع : رجل – بركان . تصلّب ذراعه اليسرى , بصورة خاصة , التي تمسك الفرشاة , تكشف الجهد الخارق الذي عليه بذله كي يواصل الرسم . كل ذلك يبدو راكداً في وجهه المقطب , في نظرته التي يبدو أنها تقول : " أنا لا أرسم , أنا أضحي " . لم تعجب الصورة فينسنت . فعندما عرضتها عليه , ظل يتأملها لبعض الوقت , بشحوب شديد , وهو يعض على شفته السفلى , تلك الحركة التي تداهمه في اللحظات السيئة . ودمدم أخيراً : " أجل , هذا أنا . ولكن مجنوناً " .

الفردوس على الناصية الأخرى

لا يمكن إضافة تعليقات.