Archive for the ‘صباح و مسا’ Category

بونجورنو بون جوفي!

الأحد, يونيو 9th, 2013

بالنسبة لي أحب المطاعم المنزوية, المجهولة, المختفية في داخل الأزقة, تلك المطاعم الغاية في البساطة لكنها تمثل لروادها نادياً خاصاً. هذا المطعم أحدها, لا أدري كيف قادتني الصدفة إليه, بعد أن ابتلعتني الحواري الضيقة. مررت من أمامه و وجدت صاحب المطعم يقف بجانب الباب. يشبه جورج مايكل لكن بملامح إيطالية. قلت له تشاو سنيور, رد تشاو. لم ألتفت إليه و وقفت أنظر إلى المينيو المعلّق على الجدار لكن لم يعجبني, كانت الأسعار مرتفعة قليلاً بالنسبة لمطعم رديء مثله, أكملت مسيري, لكن كان هناك شيئاً يقول لي أرجع أرجع! رجعت, كان السنيور لم يتحرك من مكانه, قلت له تشاو سنيور, قال تشاو, أدخل سيعجبك المكان. كان المطعم حقيقة يقبع في القبو, أن تنظر إلى الفتحات الصغيرة أعلى الجدار هو أن تنظر إلى أرجل الناس وهي تسير في الشارع. لكنه كان مذهلاً, قد تزور مطعماً و تشعر فيه بالحميمية كأنه بيتك الثاني, لكن في نهاية الأمر يبقى مطعماً, كان هذا بيتاً فعلاً, حتى رائحة المغسلة تذكرني ببيت روزأنجيلا الذي سكنته في ميلانو, الأشد إذهالاً في الأمر أن في كل زاوية في المطعم تجد قميصاً معلقاً لفريق ميلان, قمصان من السبعينات حتى التسعينات, مشاهدتها جعلت قلبي يرفرف. جاءتني ابنته تأخذ مني الطلبات, أذكر أني طلبت أشياءً كثيرة جعَلَتها تضحك. قلت لها أحب أن أجرب كل شيء هنا! لا أذكر ما الذي حدث بعد ذلك, أتذكر فقط شعور السعادة الذي بقي معي لليوم التالي, سعادة جعلتني لا أفكر بالرجوع إليهم حتى لا تنكسر تلك الصورة. كان هذا قبل شهر ونصف. اليوم لا أدري ما الذي جعلني أمر قريباً من المطعم, لم أكن جائعاً, لكن قلت سأذهب إليهم, وجدت السنيور يقف في نفس المكان, كأني تركته من ثانية ونصف فقط, قلت له تشاو سنيور, ردّ عليّ بإرتباك تشاو, جئتنا مرة واحدة ولم تعد أبداً, لم يعجبك المكان؟ قلت له "أعجبني كثيراً, لكن.." لم أكمل, شعرت أن لغتي خانتني, كان ينظر إليّ يريد معرفة السبب, ابتسمت في وجهه وقلت هل يمكن أن أدخل؟ سبقني إلى الأسفل و قال للعاملة (الجديدة) طاولة لشخص واحد, مثير للشفقة, دائماً لواحد. لو قال ذلك عني قبل شهر ونصف لكنت ضحكت كثيراً, لكن هذه المرة أردت أن أرد عليه رداً قاسياً, أن ألكمه على وجهه و أجلس في زاوية أبكي ويداي ترجفان من العصبية. على أية حال بلعت لساني و قلت أريد أن أجلس هناك في الركن البعيد. جلست, وضع يده على كتفي وسألني ماذا ترغب أن تأكل اليوم؟ كثيراً كالمرة الأخيرة؟ هل تعلم بأننا ضحكنا عليك طويلاً أنا والشيف؟ قال من هذا الذي سيأكل لوحده كل هذه الطلبات, أنت لا تعلم ولكن الشيف جاء من بعيد ونظر إليك يريد أن يرى الرجل الضخم الذي سيأكل كل هذا, وحينما رأك نحيلاً ضحك ربما ليومين متتالين. كان يقول هذا الكلام بإنجليزية لم أرى أكثر منها ركاكة في حياتي, كان يقول كلمتين أو ثلاث ويضحك, لكني لم أضحك. بعد أن أنتهى, قلت له بالإيطالية هل أنت دائماً فظ هكذا؟ وقع على ركبته من الضحك وقال لي يا صديقي أنا من سردينيا. لم أتمالك نفسي أنا أيضاً وضحكت, على الرغم من أني لا أعرف معنى كلامه أنه من سردينيا, لكني شعرت أنه يعرفني من ألف سنة. حتى غضبي عليه كان لأني شعرت كأني أعرفه من ألف سنة. كان ينظر إليّ و الدموع في عينه من فرط الضحك. قلت له أين ابنتك؟ قال لي ماي غيرل نوت كم. قلت له يا رجل لك مئة سنة في مانشستر ولا تزال تتحدث بهذه الركاكة؟ ضحك أطول من قبل وأخذ يقول بالإيطالية آه يا سيدتي العذراء, و يشتم ويقول اللعنة على الإنجليزية هذا لأني لا أطيقها. و أخذ يردد آه يا سيدتي العذراء ماذا دهاني اليوم؟ لم أضحك من ميلاد سيدتي العذراء, آه يا سيدتي العذراء. قلت له أفضل ما فيك أنك روسونيرو و تشبه جورج مايكل, قال لي وأنت تشبه بون جوفي. قام من عندي وهو يرددها و يضحك. أرسل لي النادلة وأخذت مني الطلبات وسألتني ماذا فعلت بالرجل؟ يبدو أنه في طريقه إلى الجنون, حمداً لله أن المطعم فارغ الآن لم يرى أحداً هذه الفضيحة. انتهيت من الأكل و أنا في طريقي للخروج سمعت رجلاً ينادي بون جوفي, هيه بون جوفي, السلام عليكم. كان هذا الشيف, قلت له السلام عليكم. أجابني بغضب قل وعليكم السلام, خطأ أن تجيب هكذا. ثم قال لا لا تشبه بون جوفي, أنا أشبهه أكثر منك وضحك. قلت له بحق الله ماهذا المطعم المجنون! قال: لا عليك لا عليك, ثم تحدث بوجه من قَدِم من الحرب لتوّه: هل أعجبتك البيتزا والباستا؟ لا تغب عنا كثيراً, اعتبر نفسك واحداً منا. أجبته سأفعل, أنت من سردينيا أيضاً؟ قال نعم وأنت؟ أجبته: من سردينيا مثلكم.

Camille

الثلاثاء, مايو 21st, 2013

أشعر بالسعادة, كون الصدفة قادتني لأتعرف إلى صديق, فنتحدث طويلاً, نشرب القهوة من ذات الكوب و نقتسم قطعة برغر واحدة لأننا لا نهتم للجوع, كان جوعنا الأكبر للحديث, لتبادل الذكريات والأحلام. لم تكن أحلامنا بسيطة, كانت أكبر منا ومن تلك القهوة المنزوية في باريس التي لا يعرفها أحد. ثم أشاهده يحقق أحلامه خطوةً واسعة تلو خطوة. أشعر بالسعادة لأني أسأله هل حققت ما كنت تتمناه؟ فيقول لي نعم, ليس هناك ما يتمناه ممثل أكثر من أن يسير على سجادة حمراء في مهرجان كان, مبدئياً على الأقل. سعيد من أجلكِ يا كامي, سعيد و فخور كوني يوماً ما تحدثت إليكِ.

Paris, je t’aime

الخميس, أبريل 18th, 2013

"وأنا جالسة هناك وحيدة في بلدٍ غريب, بعيدة عن وظيفتي وعن كل من أعرفه, ساورني شعور وكأنني تذكرت أمراً لم أعرفه قط من قبل, أو لطالما كنت أنتظره ولكني لم أكن أعرف ذلك, ربما كان أمراً نسيته, أو أمراً كان ينقصني طوال حياتي, كل ما يمكنني قوله هو أنني شعرت في الوقت ذاته بالفرح والحزن معاً! ولكن ليس بالكثير من الحزن لأنني شعرت بأنني حيّة, أجل.. حيّة! كانت تلك هي اللحظة التي بدأت فيها أحب باريس, وشعرت أن باريس تحبني هي أيضاً"
 
Paris, je t’aime

الجو شديد الحرارة في كابينة الطائرة, كعادة طائرات إير فرانس, والأغاني الفرنسية تصدح منها كعادتها أيضاً. خلعت معطفي وجلست في مقعدي, ألتفتُّ إلى يساري في الجهة المقابلة وإذ بي أشاهد "مينو رايولا". قلت له أوه أنا أعرفك. قال ولكني لا أعرفك! وضحك. قلت له بالتأكيد سيد رايولا لا تعرفني لأنك مشهور و لأنني لست مشهوراً "بعد", قال إذاً أنا من عليه أن يطلب صورة معك؟ ضحكت بدوري, ولم أشأ أن أتطفل عليه و أزعج الأخرين الذين بيننا. مينو رايولا لا أعتقد أن أحداً منكم يعرفه, هو أشهر وكيل أعمال رياضي, يدير عقود لاعبين مثل زلاتان إبراهيموفتش و ماريو بالوتيللي وغيرهم من مشاهير اللاعبين. كان يجلس بجانبي سيدة من ويلز في غاية اللطف و زوجها, كانا ذاهبين لحضور مؤتمر في باريس, و تأجلت رحلتهم في الصباح عدة مرات حتى تكنسلت نهائياً بسبب الثلوج, تأسفت من أجلها لكنها لم تكن مستاءة, تحدث كثيراً هذه الأمور تقول لي. كان الحديث معها يعطي شعوراً بالراحة لا يوصف, تلك الإبتسامة المطمئنة التي لا تفارق وجهها. سألتها عن نوع المؤتمر و أخبرتني بأنه عن الصيدلة, قلت لها بسخف أنتِ دكتورة؟ أجابتني بعد أن ضحكت أنها تعمل صيدلية مع زوجها, ترنّ بأذني ضحكتها الخجولة حتى الآن. سألتني بدورها عن سبب زيارتي لباريس هل هي رحلة عمل؟ قلت لها هل يبدو عليّ أني أملك أموالاً كثيرة؟ ضحكت طويلاً حتى استيقظ زوجها الذي غطّ في نومٍ عميق. كانت تقرأ كتاباً من جهاز كيندل صغير تحمله, أغلقَتهُ وتحدثنا حتى وصلنا باريس, تمنى بعدها كلٌ منا للآخر رحلة سعيدة و ذهبتْ مع زوجها ولم أشاهدها بعد ذلك. مطار شارل ديغول أحد أكبر المطارات في العالم, استغرقت الرحلة من مانشستر إلى باريس حوالي الساعة, و أحتجت إلى نصف ساعة من الطائرة لأصل إلى منطقة العفش. في الطريق لإستلام العفش كنت أستمع إلى ضجة قوية, أناس يصرخون وأصوات تصفيق, سألت الفتاة التي تسير بجانبي ما الذي يحدث؟ لكنها لم تكن تعرف. وصلنا إلى هناك و وجدنا أنهم يقومون بتظاهرات بسبب تأخر وصول العفش, يبدو بأنه بسبب الثلوج. سقط قلبي لأني لم أحمل الحقيبة معي في الطائرة, أقتنعت بحديث موظف المطار في مانشستر الذي قال لي أرح رأسك ودع إير فرانس تقوم بعملها. لا أدري ما قصة هذه الشنطة المنحوسة! في منطقة انتظار العفش وجدت رايولا ينتظر مع زوجته ورفاقه, ضحك حينما رأني وقدم إليّ, وبعد أن تعرفنا إلى بعضنا أكثر سألني: لا يحدث مثل هذا في مطار "السعودية" صحيح؟ قلت له لا فنحن دولة مرتبة للغاية. قال لي هيا بنا نلتقط صوراً, أعطيت هاتفي للفتاة التي كانت تسير بجانبي وألتقطت لي صورة معه, وأعطاها هاتفه أيضاً وطلب منها أن تصورنا, قال حتى وأنت لست مشهوراً بعد سأحتفظ بصورتنا معاً. هدأت أصوات الناس لمدة دقائق ثم ما لبث أن ازداد الصخب أكثر من قبل, غمز لي رايولا وأشار برأسه حتى أقدم عليه, سألني بخبث: منصور لو حدث هذا في مطار "السعودية" كنتم ستطلقون عليهم النار صحيح؟ أجبته: مينو أنت رجل ذكي جداً, ولكن من الواضح أن تفكيرك إجرامي. ضحكت زوجته وقالت صدقت! عدت إلى مكاني وتحدثنا أنا والفتاة عن أسباب التأخير, واعتذرتْ بصفتها من باريس عن هذا الأمر وأقسمت أنها المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا, ونادت أحد العاملين المساكين في المطار وأعطته درساً قاسياً عن معنى الحضارة وأن فرنسا دولة تفقد إحترامها الإنساني والثقافي شيئاً فشيئاً, وأن هذا الإستهتار لا يمثل المباديء العظيمة التي قامت عليها فرنسا, ويجرح كبرياء دولتنا التي تجزم أنها في غاية الحزن الآن بسبب ما يحدث في هذه اللحظة الحرجة. تركَتهُ يذهب وأظن أنه سيظل يلعنها في داخله كلما سمع كلمة حضارة وكبرياء, عادت وأعتذرت إليّ عن هذا التأخير الذي كررت  بأسى بأنه لم يحدث أبداً من قبل. كنا نتحدث أنا وهي بمواضيع عادية يتحدث فيها المسافرون الذين يعلمون أنها مجرد أحاديث عابرة وسيعود كل منّهم بعدها إلى حياته التي يعرفها, لكن رايولا الذي كان يراقبنا من بعيد كثعلب ينتظر أصحاب المنزل ينامون ليسرق دجاجة لم يعتقد ذلك. عاد هذه المرة إلى الفتاة وصافحها وسألها عن صلتي بها؟ قالت له خطيبي. تنهّد وقال لها أنتِ رائعة الجمال ماذا تفعلين مع هذا الرجل؟ تعالي معي إلى موناكو, أعيش في مونت كارلو, تليق بك مونت كارلو, لم يفت الوقت بعد. ضحكت الفتاة وسألتني من هذا الرجل؟ قلت لها أنه مينو رايولا وكيل أعمال لاعبين. قالت ماذا يعني وكيل أعمال لاعبين؟ ماهذه المهنة الغريبة!. شعر مينو أن الموضوع خرج عن هدفه الأصلي الذي قدم من أجله وقال: سيدتي الجميلة, ليس هناك من حاجة لتعرفي من أنا, ولكن قولي هل ستأتين معي إلى مونت كارلو؟. أجابته الفتاة: لا, أنت قبيح لا تستحق أن أتركه من أجلك. وضع يده على قلبه وقال لقد كسرتيه. بخبثٍ ظاهر. قلت له مينو زوجتك لا تقف بعيداً عني, أستطيع الذهاب إليها الآن وأخبرها عن دسائسك الصغيرة من وراء ظهرها. قال وهو يخفض رأسه أوكي أوكي. ذهب مينو ولم يعد أبداً. انتظرنا في المطار حوالي الثلاث ساعات حتى وصلت الحقائب, كانت سعادة الناس وصراخهم لا يوصف. أخذت تاكسي وذهبت إلى الأوتيل, كنت أتضور من الجوع, وضعت حقيبتي المنحوسة في الغرفة وخرجت أبحث عن مطعم, دخلت إلى أحد الأزقة المعتمة, قفز من ورائي رجل لا أدري من أين, مشى خلفي وهو يعرج وينادي: يا عرب, ياعرب. كان يشبه سلفاتوري في فيلم اسم الوردة, لم أرى أقبح منه في حياتي. مشيت وكما قالت فيروز (اعمول حالك مش عارف) والرجل ينادي : يا أسد, يا أسد. بصوت يشبه صوت توفيق الدقن. والأسد يمشي ولا يلتفت. اقتربنا إلى الشارع وهو لم يزل ينادي: يا شيخ العرب, يا شيخ العرب. وشيخ العرب محتار كيف عرف هذا الرجل أني عربي في هذا الظلام الحالك, وكل من يشاهدني تحت الضوء لا يجزم أنا من أين. على أية حال حينما وصلت إلى الشارع المضيء, بالسرعة التي ظهر بها هذا الرجل المخيف بالسرعة التي اختفى بها. شاهدت مطعماً كنت قد مررت عليه مرتان من قبل وفي الثالثة دخلت. طلبت سمك سالمون و أرز و بطاطس مقلية, نظر إليّ النادل بشفقة وقال تستطيع أن تستبدل الأرز بالبطاطس أو أي طلب آخر تريده, قلت له لا أريدهم كلهم, أنا جائع كثيراً. فجأة انقطع التيار الكهربائي لأقل من نصف دقيقة, كان بجانبي فتاتان طوال الوقت كانتا تضحكان بصخب, غنّت إحداهما حينما انقطع التيار (Happy Birthday). حينما عاد التيار نظر إليها الجميع بإستحقار, لا أدري هل لأنها غنّتها بالإنجليزية, أم لأن هذا المكان لا يليق به هذا الجنون, أم لأنها قبيحة. أعتقد أن هذا هو السبب, وأجزم لو أن الفتاة جميلة لتمنّى الفرنسيون أن ينقطع التيار مرة أخرى ليغنوا معها.

Mino Raiola

Paris

Musée du Louvre

Galeries Lafayette

Institut du monde arabe

Lieux que j’ai aime a Paris

Le Parisiens

كامي, الجالسة في يسار الصورة, ممثلة و مغنية فرنسية. تعرفت إليها في أحد المقاهي في منطقة تسمى لو ماغي, أعتقد أنها منطقة اليهود في باريس, كامي والداها يهوديان لكنها أخبرتني أنها مسلمة بالسرّ وتصلي كل يوم, حتى أنها قرأت لي سورة الفاتحة بلكنة مغربية. قضيت يوماً جميلاً في هذا المقهى مع كامي وجميع الموجودين, كلهم صاروا أصدقائي, ضحكنا كثيراً وسرقت كلب الرجل الواقف, وكامي كانت تصورني فيديو وتقول سأعرضه على مخرجي أفلام ليشاهدوا موهبتك بالسرقة وبالتمثيل. بطبيعة الحال أعدت الكلب لصاحبه. وأنا خارج لم يبقى أحد في هذا المكان لم يقبلّني كأنهم يعرفونني من ألف عام. باريس مدينتان, باريس السياح وباريس الحقيقية, الكل يعرف هذا, منذ وطأت قدمي باريس كنت أريد أن أشاهد باريس الحقيقية, تلك التي يتحدثون عنها, وأعتقد أني قدرت على ذلك. في كل منتصف ليل حينما أعود إلى فندقي الواقع في الشانزلزيه أنظر إلى الناس الجالسين هناك على المقاهي وأضحك عليهم, لم يعرفوا باريس التي عرفتها في خمسة أيام.

Bonjour Paris

الأربعاء, مارس 13th, 2013

ميلان.

السبت, مارس 2nd, 2013

(13-14)

لا أعرف إسمها, ولم أفكر بسؤالها عنه. فقط كنت أناديها سنيورا. في اليوم الأول استيقظت متأخراً لأني لم أصل إليهم سوا في الساعة الواحدة فجراً, بسبب ما حدث لي في مطار أمستردام, حيث قام موظفو الهجرة بالتحقيق معي لمدة أربع ساعات بسبب الفيزا, لأن هناك سؤالاً وجودياً حيّرهم: "لماذا استخرجت الفيزا من السفارة الألمانية وأنت ذاهب إلى ميلانو أولاً؟" كان هذا من أسخف المواقف التي مررت بها في حياتي, على أية حال سمحوا لي بالمرور وحجزوا لي على رحلة آخر الليل المتجهة إلى ميلانو. الفرق بين الهولنديين والإيطاليين هو كالتالي: الهولنديون يسألوني عن سبب ذهابي لميلانو وأقول لهم لأحتفل بعيد ميلادي, ولمدة ثلاث ساعات يتسائلون عن هذا الأمر, لم يتركوا سؤالاً في العالم لم يسألوني عنه ورغم ذلك يقول أحدهم لي انت تكذب, توقف عن الكذب حتى ننتهي من هذا الأمر. لم يتوقف كل هذا الهراء إلا حينما قلت لهم اتصلوا الآن على سفارتي ليحضر معي أحد التحقيق لأن الموضوع بدأ يطول أكثر من اللازم ولن أسمح لهذه الوقاحة أن تستمر, بعدها جاء ضابط كبير وأنهى كل شيء بنصف ساعة وسمح لي بالذهاب. أما الإيطاليين فمن شدة تعبي ذاك اليوم مررت بجانب الجمارك مسرعاً ولم أنتبه حتى ناداني ضابط وقال لي هيه هيه سنيوري ألا تشاهد هذه اللوحة؟ وأشار إلى لوحة الجمارك فوق رأسه, قلت له أعذرني لم أنتبه, سألني ماذا معك في الشنطة؟ قلت له ملابس فقط, سألني هل تسمح لي بأن أرى؟ فتحتها له ونظر قليلاً ثم أغلقها بنفسه. سألني بعدها ماذا تريد أن تفعل في ميلانو؟ قلت له أريد أن أحتفل بعيد ميلادي لكن يبدو أن الوقت قد فاتني, تجمّع الضباط ونظروا إلى تاريخ ميلادي في الجواز وصرخوا صحيح صحيح إنه عيد ميلاد السنيور وبدأو بالتصفيق لي! كان تعب الدنيا كله بي قبل تلك اللحظة, ثم سعادة الدنيا كلها عادت لي. أخذت تاكسي والحمدلله أني كتبت عنوان السيدة التي سأسكن عندها "روزأنجيلا" على دفتري البنيّ الصغير, لأن بطارية هاتفي نفدت والهولنديون لم يعطوني شاحن آيفون. على أية حال وجدت روزأنجيلا في إنتظاري وبدأنا نشتم الهولنديين سوية لمدة عشر دقائق ثم أخذتني إلى الغرفة الجميلة التي سأسكنها. كل شيء في هذا البيت يبعث على الراحة. لم يطل بي الأمر حتى نمت طويلاً واستيقظت في العاشرة صباحاً, وجدت العجوز تنتظرني بتململ لم تبذل أي جهد في إخفاءه. سألتني لماذا استيقظت متأخراً؟ قلت لها لم أصل إلى ميلانو إلا متأخراً. أعدت لي القهوة والفطور, كانت قهوة لم أذق مثلها في حياتي من قبل. سألتني عن اسمي وهل أنا فرنسي؟ قلت لا, قالت هذا أفضل لأني أكره الفرنسيين. ثم سألتني أنت تركي؟ قلت لا. قالت من أين أنت؟ قلت أرابيا سآودتيا. حركت يدها ونفخت بفمها بصوت مضحك وقالت لا أعرف أين. ضحكت أنا أيضاً. انتظرت قليلاً ثم سألتني أين هذا البلد الذي قلت عنه؟ في أفريقيا؟ أردت أن أقول في الكاريبي لكن ربما تأثر هذه المعلومة عليها كامل حياتها, قلت لها تعرفين دبي؟ قالت أوه أوه دبي أعرفها, قلت أنا من هناك. بعد أن أنتهيت من كل شيء لبست ملابسي وأنا خارج صرخت السنيورا قائلةً أوه بيلّيسمو منسورو! وقبلّت خدي. عدت بعد المغرب وجدتها جالسة تتابع التلفزيون قالت لي تعال أجلس بجانبي, شاهدنا برنامجاً يتحدث عن كارلا بروني, المذيع الإيطالي نطق اسمها بالطريقة الفرنسية ولم تتمالك العجوز نفسها بالضحك. وبدأت تكررها, كارلا برونييي برونييي برونيي وتضحك بصخب وتقول الفرنسيين أكرههم بشدة لأنهم أغبياء.

 

 

في الصباح التالي نمت طويلاً كالعادة, دخلت إلى المطبخ وسخنّت القهوة كما علمتني بالأمس, كانت تقرأ الجريدة بالعدسة المكبرة ولم تنتبه لي إلا بسبب حركة القط مانغو, رمت الجريدة جانباً ووضعت العدسة فوقها وجاءت لي وهي تتمتم بكلمات لا أدري ماهي ثم وقفت مقابلي و صرخت بوجهي لماذا أنت تنام كثيراً؟ كل السياح الذين يأتون إلى ميلانو يستيقظون من السادسة صباحاً, يجب أن تتعلم كيف تكون سائحاً حقيقياً, تفوتك أشياء كثيرة بسبب نومك هذا, هناك أشياء لا يمكن أن تشاهدها إلا في الصباح فقط. قلت لها سنيورا أنا بامبينو (طفل) أنام كثيراً. توقفت العجوز عن الكلام لدقيقة وبدأت بتأمل وجهي وأنا أشرب فنجان القهوة وقالت أوه برافو برافو, بيليسمو منسورو! بيليسمو بامبينو منسورو.. ومسحت على رأسي بحنان الجدّة. أحببتها, أحبت كل من في هذا البيت. أحببت هذه المدينة, قلت في قلبي سأقضي يوماً ما كامل حياتي هنا في بلد الألوان هذا.

(15)

كانت ليلة شديدة البرودة, الثلوج تملأ طرقات ميلانو. كان الحماس يغمرني لمشاهدة مباراة ميلان وبارما, هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها مباراة لفريقي الذي أعشقه منذ الصغر. ذهبت قبل المباراة بساعتين ونصف, كانت البوابات مغقلة, لكن الأمن أخبروني أنهم سيبدأون بفتحها بعد نصف ساعة, قبل الموعد المحدد أدخلوني, الإيطاليون آخر همومهم الإلتزام بأي قانون. الملعب كبير جداً وجميل من الخارج, لكن ممراته الداخلية مريعة. بدأت بالبحث عن كرسيي وشاهد حيرتي أحد الباعة الجوالين في الملعب, قال لي " أقعد بأي مكان محدش حيقولك حاقة" جميع الباعة في الملعب مصريين. قلت له لا, أريد أن أجلس في كرسيي, رد عليّ "طيب عاوز كوكا"؟ كوكا! كنت على وشك أن أسبه لأنه غبي لكن قلت هذا أحد أسعد أيامي ولا أريد أن يشوهه أي شيء. وجدت كرسيي وجلست فيه, كان الملعب خاوياً سوى من بعض الأشخاص الذين بدأو يتوافدون. كنت أجلس وحيداً في المدرج البرتقاليّ, أتأمل فقط أرضية الملعب العشبية و باقي المدرجات. بعد دقائق بدأو بعرض أهداف فريق ميلان كامل الموسم, كان هذا أحد أسوأ مواسم ميلان على الإطلاق, انهزموا في أغلب مباراياتهم, قال الجميع أنه انهار إلى الأبد, وأنه ربما سينزل إلى الدرجة الثانية. كنت أتذكر تلك اللحظات حينما كان ترتيبه السابع عشر من أصل عشرين فريقاً يلعبون بالدرجة الأولى, كنتُ أتذكر لحظات انكسار قلبي وأنا أشاهده ينهزم مرةً تلو المرة. لكن لم يتوقف إيماني به, لم أشعر أني أكرهه, على العكس تماماً شعرت بأن هذه هي اللحظة الحقيقية التي يجب عليّ فيها أن أحبه أكثر. كنت أنظر إلى الشاشة الكبيرة وأشاهد جميع الأهداف التي شاهدتها يوماً ما في منزلي, كنت أحفظها عن ظهر حب, كنت أركز النظر في وجوه اللاعبين و للمرة الأولى أشاهد فيها الحزن يملأهم, كانت وجوههم حزينة جداً وتقول نحن أفضل من هذا. ومع الأهداف كانت هناك أغنية مؤثرة, في هذه اللحظة لم أتمالك نفسي وبدأت بالبكاء. كانت لحظة عاطفية كبيرة, لا أذكر آخر مرة بكيت فيها من قلبي, ربما حينما توفي جدي رحمه الله. لكني لم أجبر نفسي على التوقف, أردت أن أبكي أكثر و أكثر, كان شعوري حينها صافياً, كأنه الماء الذي انبجس من الصخر. عرفت حينها أن الإيمان ربما هو أعظم ما تملكه النفس. انتصرنا في هذه المباراة وصرخت مع الجماهير طوال الوقت, في الملعب ونحن خارجون, وقفزت معهم وهم يقولون من لا يقفز فهو نيراتزوري (لون الأعداء), كنا نغني طوال الطريق. حينما عدت إلى البيت وجدت روزأنجيلا في انتظاري سألتَني هل فزنا؟ لكن وجهي أجاب قبل أن أجيب بكلماتي, وبدأت تصرخ بسعادة هي أيضاً. في الصباح سألتني أمها العجوز هل فزنا؟ نعم نعم سنيورا نونّا فزنا وسنفوز دائماً بكل شيء لأننا الأعظم صح؟

Bella Italia

الأربعاء, يناير 16th, 2013

كان كل شيء يسير في إتجاه واحد و ثابت. نظرتُ إلى الوجوه التي اعتدت رؤيتها كل ثلاثاء و أربعاء, باولو و كاميلو الإيطاليان و وليام الفرنسي. سألتنا فيكتوريا أن نتحدث عن أصدقائنا المقربين, أن نصف أشكالهم و شخصياتهم. تحدث باولو عن صديقه بتقديس كأنه راكعاً تلك اللحظة على مذبح كنيسة القيامة. كاميلّو رمى القلم بعصبية وقال ليس عندي صديق مقرب, سألته لا يعقل أن لا يكون لديك صديق! قال أقصد عندي أصدقاء مقربين كثير, أو كما قالها بكلمات لا أنساها وهو يهز يده: I have much beste friendi, بيستّي فريندّي, على عادة الطليان بإضافة حرف علة في آخر كل كلمة بلغتهم. المسكين كاميلو يعاني من مشكلة أن لديه أصدقاء مقربين كثر. نظرنا إلى وليام, قال صديقي very nervous. ذهب فكري بعيداً بعد ذلك, كنت أتحدث و أضحك مع الجميع بإستثناء وليام الذي لم يضحك معنا يوماً أو قال كلمة لطيفة, يأتي صامتاً ويخرج صامتاً, تبدو علامات العصبية ظاهرة عليه, تراها كبثور, أو لكأنها الحاسة السادسة لوجهه, قلت في قلبي وليام المكتئب دائماً والعصبي يقول عن صاحبه أنه نيرفز, كيف يكون إذاً هذا الصديق؟ شعرت بالرهبة, كان كل شيء قبل تلك اللحظة يسير في إتجاه واحد و ثابت, أن أحتفل بعيد ميلادي في باريس "أن أطل من الشرفة على برج إيفل وهو يتلألأ وأفكر أن شعاع أنواره اليوم أقوى من المعتاد. وأقول ربما أضافوا سبع وعشرين لمبة (ولمبة أخرى) هذا اليوم . الأكيد أن هناك شيء ما مختلفاً به, أشعر بهذا. لا أجزم أنه لأجلي فأنا لست لامارتين على أية حال" كان هذا مشهدي المسرحي الذي أتخيله كلما تذكرت عيد ميلادي, لكن بعد تلك اللحظة, بعدما وصف وليام صديقه المقرب أخذتُ أنعطافة كبرى, قررت الذهاب إلى ميلانو, فأنا أريد بداية عمر جديد مع شعب يقدّس الحياة, الرجل الذي لا يضحك فيها غاضب لأن لديه "متش بيستي فريندي". تشاو

الجمعة, يناير 11th, 2013

تتعبني العاطفة, المحبة, أن أتعلق بالأشخاص ثم أتركهم. كان هذا يوماً عاطفياً؛ في منتصف الحصة الثانية جاء مسؤول من الإدارة و أعطاني جدولي الجديد وقال لي إنني انتقلت للمستوى الأعلى, شعرت بألم في قلبي بالذات حينما نظرت إلى أصدقائي الذين أعتدت عليهم طوال الأيام الماضية. يندر أن تجد مجموعة من الأشخاص تتأقلم معهم بسهولة وتشعر أنهم جميعاً قريبون منك, جاء ماخا* من آخر الصف وأخذ جدولي و نظر إليه, هزّ رأسه وقال مانسور! مانسور! وعاد إلى كرسيّه, أخذتْ جدولي جلاديس الفتاة من تشيلي وأخذه منها تاكا الياباني, كلهم نظروا إليه بحسرة ويحاولون أن يجدوا أي مادة مشابهة, ماكوتو الياباني الذي كان يجلس بجانبي قال Masok**, I sad I sad.  كان قلبي حزيناً, والأستاذة تنظر لي بحزن أيضاً وتقول لي منصور يجب أن تبتهج أن تقول هيييييه ليس أن تحزن, حتى أنا سأفتقدك لكن يجب أن تفرح. لكنهم أصحابي ولا أحب أن أتركهم, كيف لي أن أترك ماخا الذي لا أتخيل أحداً بالعالم يضحكني أكثر منه, بمجرد أن يتحدث بأي كلام عادي أضحك, كيف لي أن لا أرى تاكا الذي يشعر بالألفة تجاهي, أستطيع أن أفهمه من دون أن يتحدث, على أية حال لا يستطيع أن يقول أي كلمة بالإنجليزية, يحمل كمبيوتره المحمول ويكتب لي بترجمة غوغل كل ما يود قوله, بالأمس كان جالساً بجانبي وكتب لي أنت يا صديقي :Friendly, Kind, Nice, Honest, Optimistic.  الكلمات التي تعلّمها للتو, لم أجد أحداً أكثر عاطفةً من اليابانيين. درس الأمس كان عن الأوصاف, سألته تاكا, صف لي أمك, كتب لي أمي دافئة. نظرنا إلى أعين بعضنا و كنا على وشك أن نبكي أنا وهو. هؤلاء أصدقائي الذين آخذ أغلب الدروس برفقتهم, هناك من أحضر معهم حصة واحدة في اليوم, مثل إيلدر, الطيار, الذي يأتي برفقة زوجته بارعة الجمال ماريّا غابرييلا, لا يمرّ يوم دون أن أتحدث مع إيلدر, يوماً ما قال لي إن لديه صديق في البرازيل اسمه منصور, سألته هو من أصول لبنانية أو سورية؟ قال لي لا هو برازيلي. شعرت بالأسى على نفسي, حتى هنا أفكر بأصول الناس؟ لكننا نتعلم كثيراً من أبسط الكلمات. هناك باولو وكاميلو من إيطاليا, باولو رجل أعمال ويدرس الإنجليزية لتنفتح له فرص أكثر كما يقول, نتحدث كثيراً عن كرة القدم, عن ميلانو وروما, عن بعض الدول العربية التي زارها, و أضحك عندما يتحدث الإيطالية بلكنة إيطالية, كاميلو الرجل الذي لا يضحك أبداً, ويشعر بالتوتر طوال الوقت. كلهم أحببتهم ولم أرغب أن تأتي اللحظة التي يذهب كلٌ منا لمرحلة أخرى. بعد أن خرجنا من الحصة قاموا كلّهم بإحتضاني, تاكا كان يحاول حفظ هذه الكلمات طوال الحصة ليقولها لي, "إنه سيعمل بجهد أكبر ليلحق بي", ماكوتو قال لي أنا حزين ألف مرة, ماخا لم يقترب مني, لكن حينما خرجت لحق بي وقال لي أنه سينزل الآن للإدارة ليقاتلهم, إما أن تبقى معنا في المستوى أو يأخذوني معك, ثم قال الليلة سأشرب الفودكا بكثرة حتى أنسى هذا اليوم الحزين. قلت له أنا موجود هنا دائماً, قال لكن المشكلة أننا لن نأخذ الدروس سويةً ولن أسمعك تضحك. لكني ضحكت لأجله وخرجت لألحق بالباص الذي سيأخذني لصلاة الجمعة. هذه المرة الأولى التي أصلي فيها الجمعة هنا, لذلك لا أعرف ماهي طريقتهم وماهو الوقت وأي المساجد تصليها. على أية حال ذهبت للمسجد القريب من البيت الذي أسكن فيه, اسمه دار الأمان, دخلت في الساعة الثانية عشرة وربع, وكنت أعتقد أن الجمعة ستفوتني لأن أذان الظهر الساعة 11:55 صباحاً. حينما دخلت وجدت المسجد فارغاً, شعرت بالحيرة, قلت ربما لا تقام صلاة الجمعة في هذا المسجد, انتظرت قليلاً ثم خرجت و وجدت شاباً هندياً يقف بالخارج سألته هل تقام صلاة الجمعة هنا؟ قال نعم, الساعة الثانية ظهراً, قلت له ولكن العصر يأذن الساعة 1:34 دقيقة كيف لكم أن تصلّوا الجمعة الساعة الثانية؟ قال نجمع الصلاتين. على أية حال شعرت بالخجل أن أذهب إلى البيت وأعود عند موعد الخطبة, عدت لأنتظر في المسجد. عند الساعة 1 امتلأ المسجد قليلاً وقاموا بتشغيل البروجكتر الذي يعرض خطبة الجمعة لا أدري من أين, ربما من الهند أو مدينة أخرى في بريطانيا. كان الخطيب هندياً ويتحدث بالأردو لذلك لا يوجد أدنى أمل أن أفهم كلمة واحدة. خطب من الساعة الواحدة تماماً حتى الثانية تماماً. وأنا أغفو و أصحو طوال الخطبة, وبعد أن أنتهى الشيخ من خطبته عبر البروجكتر قام المصلّون في مسجدنا واصطفوا للصلاة, قمت معهم وأخذت ألتفت ليأتي أحد ويؤمنا للصلاة, لكن أحداً لم يتقدم وبدأو يصلّون, قلت لنفسي ربما هذا مسجد لمسلمين من مذهبٍ آخر, فالهنود طقوسهم تختلف. صلّيت الظهر و العصر, وبعد أن انتهيت تقدم رجل وبدأ يخطب للجمعة! خطبة غريبة أيضاً بالأردو وقليل من العربية والأنجليزية, وبالطبع لم أفهم سوا بعض الكلمات كهابي نيويير و إنا لله وإنا إليه راجعون والفاتحة التي بدأ خطبته بها, كما فعل الشيخ عبر البروجكتر. خطب لمدة 10 دقائق وكأنه يتحدث معهم, وبعضهم يتجاوب معه ويرّد عليه. أعرف أن هذا مسموح في صلاة الجمعة أن تُحّدث الإمام لكن وجدته غريباً بعض الشيء, على أية حال صلّى بنا الجمعة والعصر ثم عاد وخطب قليلاً, لكن لم أقوى على الصبر وخرجت, فهذا أكثر الأيام برودة في حياتي, وما من أمٍ تدفيني. 

* ماخا, من كازاخستان, اسمه الحقيقي ماخامبد والتي تعني محمد. لكنه يقول لنا نادوني ماخا. في اليوم الأول حينما شرح لي معنى اسمه قلت له إذاً أنت مسلم؟ قال لي yes yes but I am not big fan.  يحب أن يقضي ليله بالسُكر, في اليوم الأول سألته الأستاذة ماذا تحب أن تعمل في أوقات الفراغ, قال أشرب الفودكا و أسكر, وقام بتقليد مشية السكرانين في الفصل. دخلت إلى صفحته في الفيسبوك و وجدت أغلب الصورة في (بيت البيرة) كما يسميه, أو بجانب زجاجات الويسكي في السوبرماركت, أو يحمل زجاجة فودكا وينظر بقسوة. أخبرتكم أنه أكثر رجل أضحكني في هذه الحياة, لو كنتُ مخرجاً لقمت بتسجيل فيلم كامل عنه, ربما سأفعلها يوماً ما حتى لا أتوقف عن الضحك حتى البكاء كما هو حالي معه.
** ماسوك : هو الإسم الذي يناديني به ماكوتو.
*** هناك رجل آخر لم أكتب عنه, أستاذي ويل. كنتُ دائماً ما أواجه هذا السؤال حين التسجيل في المواقع –ليكون السؤال السريّ- : ما اسم استاذك المفضل؟ وأبحث عن إجابةِ غيره لأنه لا يوجد لديّ أستاذٌ مفضل, لكن بعد أن عرفت ويل تغير هذا المفهوم بالنسبة لي, لا يكبرني كثيراً بالعمر لكنه أحد أعظم الأساتذة الذين درسوني في حياتي.
– الصورة : الأول من اليسار: ماخا, في لقطة رومانسية له. الثانية: إيلدر بعنقه المكسورة وباولو. الثالثة: تاكا يحمل رسمته. الرابعة: كاميلو المتجهم أبداً. الصورة الأخيرة ماكاوتو.

La dolce vita

الأربعاء, يناير 2nd, 2013

 

الأول من يناير
طريق المطار, الساعة الثالثة والنصف فجراً, درجة الحرارة في الخارج ثلاثة عشرة لكن أشعر أن الجو أدفأ من أن يكون ثلاثة عشرة, أشعر بالنعاس يتملكني, و محمد عبده على إذاعة "ألف ألف" يصدح بأغنية ليلة خميس. أقول للسيد ميم -الذي طلب منذ ثلاثة أيام أن يوصلني للمطار- إنها سنة جديدة و حياة جديدة في إنتظاري, و يقول لي إن الطرب في هذا الوقت له معنىً آخر, ثم يصرخ هابي نيووو ييييير. و تنهيدة طويلة تخرج مني.

مطار الملك خالد الدولي
في الصالة الدولية رقم 2, كل شيء يمرّ بسلاسة, وزن الشنطة 29كيلوغرام و موظف الخطوط الفرنسية الهندي لم يكترث لهذا الأمر, طلب مني الجواز فقط و سألني عن وجهتي, قلت له مانشستر, أعطاني تذكرة المرور و سألته هل سأستلم الشنطة في مانشستر أم في باغي؟. ضحكت من نفسي أن قلت باغي, لكنه لم يكترث أيضاً لها وقال مانشستر مانشستر, والنعاس رجلٌ نهم و أنا كعكة يلتهمني رويداً رويداً. ذهبت لموظف الجوازات الذي قرأ اسمي و سألني عن رجل اسمه محمد حماد هل أعرفه؟ قلت له لا, قال هو زميلنا في المطار, قلت طيب؟ لا أعرفه والله. قال بلكنة غبية يا رجل! ثم ألتفتْ إلى زميله الذي يجلس خلفه وقال فرق بينه و بين محمد صح؟ ضحك زميله ضحكة رجل على وشك النوم من دون أن يلتفت إلينا. أردت سؤاله عن الفرق لكن رأيت أن هذا ليس مكان حوارات, ثم أنا نعسان.

في الطائرة – Paris je t’aime
بمجرد دخولي إلى الطائرة ابتسمت, المضيفة تقول لي بونجور مسيو, الاغاني الفرنسية تصدح بكامل الطائرة, وهناك حرارة شديدة تنبعث في كل مكان, دفء غريب, جلست على مقعدي رقم 36E  على الممر, المقاعد مريحة أكثر مما توقعت, على يساري كرسيان تجلس على أحدهما فتاة تحمل كيس بندة, بعد قليل جاء ثلاثة فتيات كنت رأيتهم على ممر الصعود, يرتدين الحجاب وملابس محتشمة للغاية, لم يكنّ جميلات حينما نظرت إليهن للمرة الأولى في ممر الصعود, جلسن على المقاعد الثلاثة بجانبي, خلعن ملابسهن المحتشمة و حجابهنّ, و ياللغرابة تحولن إلى جميلات, كنَّ يتحدثن بالفرنسية طوال الوقت, حتى عطست التي بجانبي وقالت الحمدلله, أعتقد أنهن تونسيات, التي بجانبي كان وجهها ممتلأً بحبات الخال, تذكرت الموال الذي يغنيه ناظم الغزالي, له خالٌ على صفحاتِ خدٍ كنقطة عنبرٍ في صفح مرمر, قلت في قلبي هؤلاء خوال كثر في خدها وضحكت. كانت الثالثة على الطرف الآخر تنظر إليّ كثيراً, ربما أشبه أحداً تعرفه. جلسنا حوالي الربع ساعة والمضيفة تمرَ على الركاب و تعدهمّ, هنا فرنسا. بعد الإقلاع بقليل جاءت وجبة الإفطار, سألني المضيف ماذا ترغب وقال كلمات متداخلة لم أفهم منها إلا أومليت, طلبتها, وحينما فتحتها وجدت أنه بالإضافة إلى الأومليت هناك (Bacon) "لحم الخنزير المقدد", لعنتهم في سريّ, لأني حددت نوع الوجبة من قبل أن لا تحتوي على خنزير أو كحول. هذا المضيف يقول كلمات لا يفهمها أحد, حتى الفتاة بجانبي طلبت أكثر من مرة أن يكرر كلامه حتى تفهم مايقول, أكلت قطعة صغيرة من الأومليت لكن لم تحتمل معدتي الطعم وبدأت أشعر بالآلام ولم تفارقني حتى وصلت. أردت النوم, طلبت من المضيف الآخر أن يعطيني غطاء العين (لا أعرف أسمه) لكن أشرت على الفتاة التي بجانبي, كانت نائمة وتضعه على عينها وقلت مثل هذا, قال لي موجود مع السماعات التي وزعها علينا في بداية الرحلة, قلت له لا يوجد شيء, قال لي لا لا تقل أنه لا يوجد قل أنك لم تجده أو ضيعته, أخرجت له كيساً وقلت أنظر لا يوجد شيء, قال لي هذا كيس البطانية, هي موجودة في كيس السماعات لكن يبدو أنك اضعتها, قلت له يا عزيزي أقول لك أنه لا يوجد شيء, لماذا أكذب عليك؟ رد عليّ كمن يشفق على نفسه: إن كنت تريد واحدة أخرى يجب أن تدفع, قلت له لماذا؟ هنا قال (ذس از كريزي يورب), ضحكت وقلت إنها مجنونة حقاً, قال أنتظر قليلاً, سأذهب إلى الخلف وأبحث لك عن واحدة, بعد قليل جاءني و أعطاني إياها, ثم قال لا تقل أنه لم يكن مع السماعات واحدة, قلت له لماذا؟ ألا نتوقع كل شيء من (كريزي يورب) ضحك مرة أخرى ويبدو أنه صدقّني. أقلعت الرحلة من الرياض الساعة السابعة صباحاً, و وصلت إلى مطار شارل ديغول حوالي الثانية إلا ربع, كنت ما يقارب الأربعة ساعات مغمضاً عيني ولم أنم إلا ما مجموعه ساعة ونصف, لكنها جيدة. بمجرد أن تحركت الطائرة, أخرجت الفتاة التي تحمل كيس بندة منه صوفاً وبدأت تغزل, كنت أنام و أصحو وهي تغزل الصوف, نامت قليلاً واستيقظت متعرقة و وجهها شديد الحمرة وبدأت تغزل, فكرت بالقيامة إن أذنت على الأرض سيبقى إثنان لا يهتمان لأمرها, رجلٌ يغرس فسيلته وفتاة تجلس بجانبي ستكمل غزلها.

باغي باغي
مطار شارل ديغول, أحد أجمل المطارات التي شاهدتها, كل شيء فيه يبدو جميلاً ومتقناً. انتقلت من صالة الوصول إلى صالة المغادرة في الصالة 2E  عن طريق الميترو, الفرنسيون مهذبون جداً ويجيبون على كل سؤال بأدب جمَ ومحبة, ربما لأني أسألهم بالفرنسية. اليابانيون يملأون المطار, يشترون الشنط من ديور والأوشحة من هيرمس, و يعاملهم الباعة بإحترام كبير, في كراسي الانتظار والمقاهي ومحلات الألكترونيات و دورات المياه أينما تنظر تجد اليابانيين, لكنهم مشغولون بأنفسهم. مطار شارل ديغول يعطيك ربع ساعة تستخدم فيها الإنترنت مجاناً, بعد ذلك تدفع مبلغاً رمزياً, بالنسبة لي لم أنتظر أكثر من نصف ساعة وأعلنوا عن الرحلة المغادرة لمانشستر. 

Paris – Manchester
9E هو رقم مقعدي على مخرج الطوارئ, في المنتصف, على يساري تجلس المضيفة, ويميني جاء متأخراً راكباً إنجليزياً يشبه هذا الممثل, و يبدو أنه لا زال يعاني من آثار ثمالة رأس السنة, تفوح منه بشدة رائحة الويسكي, ويحمل أيضاً أربع زجاجات في كيس, لم نتحدث أغلب الرحلة, كنت اقرأ مجلة الطائرة ويبدو عليه أنه يعاني من الصداع. حينما جاءت المضيفة بالمرطبات طلب منها ويسكي وكولا, أعطته ثم طلب أخرى, قالت له دعني أنتهي من الخلف وإن بقي شيئاً أعطيك, بعد ربع ساعة عادت إليه وأعطته ويسكي وكوكاكولا دايت, كان منهكاً للدرجة التي لم يقدر على فتح زجاجة الويسكي الصغيرة, قلت له دعني أحاول, وفتحتها له. من شدة فرحه كان على وشك أن يقبلّني وقال لي أنا ضعيف لم تعد لديّ قوة, لم أعلّق على كلامه, لكن غمرته السعادة ولم يرد أن يسكت لحظة. سألني من أين أتيت؟ قلت له من السعودية, سألني عن مدة الرحلة ومدة مكوثي في باريس, كانت يداه مملؤتان بالوشوم, كتابات غريبة وأسماء حفظت منها Lusa Oscar, lous  وكتابات أخرى, قال لي أنه سيذهب إلى أبوظبي الاسبوع المقبل بعدها إلى تايلاند وفيتنام, سألني إن كنت زرت أي واحدة منها؟ قلت له أبوظبي فقط, شككت أنه جاسوس ههه لكنه قال لي إنه ذاهب للسياحة, سألته كيف كانت باريس؟ أجابني بغضب أن الرجال الفرنسيين ملاعين والنساء رائعات, كررها (Amazing Amazing)  ثم بدأ يشتم انها أغلى مدينة زارها في حياته والفرنسيون فوق هذا ملاعين أبناء ملاعين, قلت له أغلى من لندن؟ قال لندن أغلى مدينة في بريطانيا. قلت أغلى من موسكو و طوكيو؟ قال ربما, لكن باريس مدينة ملعونة وغالية. أحب هذه الأسئلة العبيطة, ولحسن الحظ كان متجاوباً معي. سألني ماذا تفعل في مانشستر؟ قلت له أدرس, سألني عن اسمي, قلت مارسيل, سألني عن معناه بالإنجليزية قلت لا معنى له, مجرد اسم. قال لي لا تبقى هناك طويلاً إذهب شمالاً, كلما ذهبت شمالاً تتحسن أطباع الناس, أخبرته أني أفكر بالذهاب إلى غلاسكو, قال غلاسكو أمايزنغ أمايزنغ, ثم نصحني إن كنت أملك رخصة قيادة أن أشتري سيارة وأتمشى في الشمال, قال إذهب إلى بريستول المدينة التي أسكنها, أمايزنغ, تبعد حوالي الساعة من مانشستر, ابنتي تنتظرني في المطار لتأخذني لها, إذهب إلى أدنبرة المدينة التي ولدت فيها, إنها رائعة الجمال, أمايزنغ, والإيرلنديون شعب عظيم. سألني عن المدة التي سأجلس فيها في مانشستر, أجبته ثم قال Stay away from girls, أعلن في هذه اللحظة قائد الطائرة عن قرب الهبوط إلى المطار. مدة الرحلة حوالي الخمسين دقيقة. كنت في الأوقات التي أدون فيها ما يقول على جهازي الآيباد ينظر بدقة إلى ما أكتبه كأنه يعرف القراءة بالعربية, وهو ما زاد شكوكي أنه جاسوس! 

مطار مانشستر
اليابانيون يملأون المكان هنا أيضاً, عبأت البطاقة ووقفت بصف لا يوجد فيه أحد, والصف الآخر طابور طويل يقف فيه حوالي المئة وخمسين شخصاً, ولا أدري حتى هذه اللحظة لما لم يأتوا إلى هذا الصف الفارغ, سألني موظف الهجرة عن سبب قدومي لبريطانيا, أخبرته دراسة, وأعطيته أوراق المعهد, طلب مني خلع القبعة التي أرتديها, نظر إليّ مطولاً ثم سألني إن كنت سأدرس هنا الإنجليزية أو لغة أخرى؟ قلت الإنجليزية. ختم على جوازي وقال لي استمتع بالإقامة في مانشستر العظيمة, شكرته بالفرنسية. 

مانشستر
بمجرد خروجي من بوابة المطار شعرت بشعور جميل لم أعهده من قبل, كنت خائفاً أن لا تعجبني المدينة ويصيبني الإكتئاب بها, كل مدينة نأتيها نشعر فيها بالرهبة والخوف من الأشياء المجهولة التي ننتظرها, لم أعرف هذا الشعور هنا, كان صدري منشرحاً, هاتفت أبي وكنت أضحك وأصف له الأجواء ومشاعري, كان أبي سعيداً أيضاً, وسائق التاكسي الهندي سعيد هو الآخر, أنزلني إلى الفندق و أعطاني رقمه وقال لي في أي وقت تحتاجني فيه أرجو أن تتصل عليّ سآتيك فوراً, قلت له ok, I will kill you. هههه الغريب أنه ضحك وقلت له أقصد أني سأتصل بك قريباً. كانت الأجرة 45 باوند, وأعطيته 50 باوند وقلت له احتفط بالباقي, زادت سعادته عن الحد المطلوب, و كرر عليّ أن أتصل به. في الفندق كل شيء جميل ومريح, لم أستطع أن أقاوم ونمت. 

Gio & Giorgio
بعد ساعتين استيقظت على أصوات الألعاب النارية, كنت جائعاً, في طريقي للفندق شاهدت مطعم صب واي, ذهبت إليه لكن وجدته مغلقاً, مشيت حتى وجدت مطعماً إيطالياً, بلا أدنى تفكير دخلت إليه, رحبّ بي مدير المطعم, رددت عليه بالإيطالية وسألته عن حاله, أجابني بفظاظة أنه بخير, بالإنجليزية. اختار لي طاولة لم تعجبني لكن المكان كان مزدحماً قليلاً, سألني ماذا تشرب؟ قلت أريد أن آكل فقط, أعطاني المنيو, وأغلب من في المطعم كانوا ينظرون لي بإستغراب, كنت أتحدث معهم بالإيطالية ويردون عليّ بالإنجليزية, حتى جاءتني ماريّا تسألني كيف أنت تتحدث الإيطالية؟ ثم بدأو جميعاً يتحدثون فيها معي. جاءني مدير المطعم بالبيتزا وقال هَلال!. قالها بسخرية, لكني ضحكت طويلاً, أخذ يسألني لماذا أنت وحدك؟ قلت له هذا يومي الأول في مانشستر, بدأ يتحدث معي بأسلوب مختلف عن طريقته الأولى, وغيرّ طاولتي إلى مكان جميل و منزوي عن نظرات الفضوليين وأشعل لي شمعة, وفي كل دقيقة يأتيني ويسألني عن طعم البيتزا, كانت من ألذ ما أكلت, قلت له أن الجميل بها عوضاً عن الطعم أنها لم تكن دائرية وإنما أجزاء زائدة وأخرى ناقصة, لم أشاهد هذا من قبل, قلت له أن هذا الأمر يشعرك بأن يدان هما من صنعتهما وليس شيئاً آخر. صافحني بشدة وشكرني على ما قلته. ماريا أتت تسألني بعد الأكل ماذا تشرب؟ واين؟ قلت لها قهوة, اختاري لي قهوة, تقول لي أسبريسو؟ أقول لا. تقول كابتشينو؟ لاتيه؟ وتشرح لي طريقة صنع اللاتيه بشغف. قلت لا كابتشينو. كان المطعم مزدحماً وكنتُ سعيداً أنهم متحلقين حولي, كنتُ أكلت نصف البيتزا وطلبت الباقي لآخذه ونسيته وأنا خارج, كلهم صاحوا بي ومدير المطعم يركض خلفي ليعطيني إياها, يسألني و نحن ننتفض بجوار الباب من البرد ما اسمك سنيور؟ أجيبه مارسيل, اسمي مارسيل.

الثلاثاء, يناير 1st, 2013

يـافـا

السبت, ديسمبر 15th, 2012

" لأ دشرّو لأ خلص.. أكتر من مرة حكيت وبصير أعيّط, لأ خلص, لأ لأ, بتصير إيديني بترج وبتصير .. لأ, 48 أمسحو من الخار.. إمسحو من راسك, أمسحو. لو أنا بنسى كان نعمة من الله, بس أنا بنساش .. أنا بنساش, وهذا أنا بعدّو غضب! بيكفّي إني أقلّك إنو نزل بيافا أكتر من أربعة آلاف صاروخ, بقلب البلد, بتعرف ايش قدا؟ هالقدّا يافا! خلينا لورا, وخليناش, 48 دشرّو إمسحو من الخارطة ".

سِفر البرتقال 13:08-14:14

الثلاثاء, أكتوبر 16th, 2012

عند النوم تلمع عيناي كقط
ليس لأنهما جميلتان
ولكن لأنهما تمتلأن بالدموع .

This Never Ending Night *

الإثنين, أكتوبر 8th, 2012

أحب القراءة والكتابة, أحب قضاء وقتي مع الأفلام, ولم يعتريني اليأس بعد, ليس بدرجة كبيرة على أية حال, لكن حاجتي كبيرة لأحدّث أحداً عن همومي الصغيرة ولا يضحك عليّ. أحب أن أشتكي له عن حكم مباراة الليلة اللعين الذي تسبب بهزيمة ميلان. أحب أن أحكي له عن رغبتي القديمة بشراء سيكل, وحينما يسألني لماذا لم تشتريه حتى الآن؟ أجيبه بهز كتفي وزمّ شفتاي بمعنى أني لا أعرف. أحب أن أحدثه عن عملي وعن المواقف التي تحدث فيه, كل يوم يحصل لي موقفٌ هناك, ونضحك سويةً عليها. أحب أن أحكي له عن صوت بطني المضحك في الصباح, وإعتقادي أن سببه قهوة دانكن دوناتس الزفت, لكني مضطر لشرائها لأني لا أجد غيرها في طريقي, أو ربما لأنها أصبحت روتيناً غبياً. أريد أن أحدثه عن تسريحة شعري الجميلة التي شاهدتها في المرآة قبل قليل, سأقول له إن وصفها مضحك لكنها جميلة, تخيل خصلات شعر ناعمة لكنّها ملتفة من الأمام كأنها قبعة صغيرة, و اسأله هل فهمت؟ وحينما يقول لا, أقول له انتظر سأصورها لك. سأخبره عن هلعي من أن يصبني الصلع, ومن شدة خوفي حلمت قبل أمس أني أصلع, وأسأله هل لك أن تتخيل رعبي؟ مرّ زمن طويل منذ آخر كابوس. سأحدثه عن وجه الشبه بيني وبين بول نيومان, كلانا له ذات فصيلة الدم, أعتقد أنه لن يعجبه هذا التشابه, لكن سأقول أن هناك أشياء أخرى نتشابه بها لكني لا أذكرها الآن. سأحدثه عن بعض كتاباتي السريّة, وسآخذ منه وعداً أنه لن يضحك حينما يقرأها, سأشرح له أيضاً بعض المعاني فيما أكتبه في تويتر, مثلاً التعليق عن اللغة والسياسة والأدب, وأن السبب هو مقال ديفيد إغناتيوس في الشرق الأوسط, سأقول له أيضاً لماذا كتبت "تبارك من أيقظني لحبك" , أو من الذي قال : "دعه أيها المثبط, والله لو كنت في زمن النبوة لنزل فيك قرآناً", هذا أحد أصدقائي الجدد أسمه فهد, يتحدث هكذا بالفصحى طوال وقته, وتدمع عيناي معه من شدة الضحك. أريد أن أحدثه عن خوفي, هناك أشياء أخاف منها كثيراً لكنها تبقى في قلبي, سأحدثه بكثرة عن مخاوفي ليمسح عن فراغ فؤادي. وسأخبره بغرور مصطنع أن حديثي الطويل معه ليس بسبب أن اليأس يعتريني, ليس كثيراً على أية حال, لكن لأن لديّ هموماً صغيرة أرغب في قصّها عليه.

الجمعة, يوليو 6th, 2012

 

المحاورة : ماهو شعورك بالنسبة لإجراء الحوارات الصحفية ؟
أورهان باموق : أحياناً أكون عصبياً لأنني أرد بإجابات غبية على أسئلة معينة سخيفة . ويحدث ذلك بالتركية كما في الأنجليزية . إنني أتحدث التركية بطريقة سيئة, وأنطق بعبارات حمقاء . وقد هوجمت في تركيا بسبب محاوراتي أكثر مما هوجمت بسبب كتبي . فكُتّاب المقالات والأعمدة السياسية لا يقرأون الروايات .
المحاورة : أين تكتب ؟
باموق : كنت أفكر دائماً أن المكان الذي ينام فيه المرء أو المكان الذي يشارك فيه شريك حياته لا بد أن يكون منفصلاً عن المكان الذي يكتب فيه . فالطقوس والتفاصيل المنزلية أحياناً تقتل الخيال . إنها تقتل روحي الإبداعية . البيت, الروتين اليومي يجعل الاشتياق للعالم الآخر – الذي يحتاجه الخيال ليعمل – يخبو, ولهذا فلسنوات كان لي دائماً مكتب أو مكان صغير خارج البيت أعمل فيه . كانت لي دائماً شقق مختلفة .
لكني قضيت نصف عام دراسي في الولايات المتحدة بينما كانت زوجتي السابقة تدرس للحصول على الدكتوراة في جامعة كولومبيا . كنا نعيش في شقة للطلبة المتزوجين, ولم يكن لدينا أي مساحة, وهكذا كان عليّ أن أنام وأكتب في نفس المكان . وكل ما يذكرني بالحياة العائلية كان حولي . وقد جعلني ذلك اكتئب . اعتدت في الصباح أن أودع زوجتي كما لو كنت ذاهباً إلى العمل . وأترك البيت, وأسير عابراً بضع كتل سكنية, ثم أعود وكأنني شخص يصل إلى المكتب .
ومنذ عشر سنوات وجدت شقة تطل على البوسفور, وعلى منظر المدينة القديمة . وربما كان لها أفضل المناظر في أسطنبول . وكانت على بعد خمس وعشرين دقيقة من مكان إقامتي . وهي مليئة بالكتب, ومكتبي يطل على المنظر . وأنا أقضي كل يوم حوالي عشر ساعات هناك .
المحاورة : عشر ساعات يومياً ؟
باموق : نعم, أنا عامل مجتهد جداً . أستمتع بعملي . يقول الناس إنني طموح, وربما تكون هذه حقيقة أيضاً . لكني أحب ما أعمل . وأستمتع بالجلوس إلى مكتبي كطفل يلعب بالدمى . إنه العمل, جوهرياً, لكنه ممتع وهو لعب أيضاً .
المحاورة : أورهان, راويك والمسمى باسمك في رواية " الثلج " يصف نفسه بأنه موظف كتابي يجلس في نفس الوقت كل يوم . هل تتبع نفس هذا النظام الصارم للكتابة ؟
باموق : لقد كنت أؤكد على الطبيعة " الكتابية " للروائي باعتبارها مختلفة عن طبيعة الشاعر, الذي يحظى تقليدياً بهيبة واحترام كبيرين في تركيا . أن يكون المرء شاعراً هو أمر محترم ومقبول شعبياً . وكان معظم السلاطين العثمانين ورجال الدولة شعراء . لكن ليس الطريقة التي نفهم بها الشعراء الآن . فقد كان الشعر, لمئات السنين, طريقة لتوطيد مكانة المرء كمثقف . واعتاد معظم هؤلاء الناس جمع قصائدهم في مخطوطات تسمى " الدواوين " . والواقع أن شعر البلاط العثماني كان يسمى " شعر الديوان " . وقد أنتج نصف رجال الدولة العثمانيين دواوين . كانت طريقة معقدة وتثقيفية لكتابة الأشياء, لها قواعد وطقوس كثيرة . شديدة التقليدية والتكرارية . وبعد أن جاءت الأفكار الغربية إلى تركيا, اجتمع هذا التراث مع الفكرة الحديثة والرومانتيكية عن الشاعر كإنسان يحترق من أجل الحقيقة . وقد أضافت المزيد من الوزن لمكانة الشاعر . ومن ناحية أخرى, الروائي في الأساس شخص يغطي مسافة من خلال صبره, ببطء, مثل النمل . الروائي يؤثر فينا ليس عن طريق رؤيته الخيالية والرومانتيكية, ولكن عن طريق صبره .
المحاورة : هل كتبت شعراً أبداً ؟
باموق : كثيراً ما يُوجه لي هذا السؤال. فعلت عندما كنت في الثامنة عشرة, وقد نشرت بعض القصائد في تركيا, ثم توقفت. وتفسيري هو أنني اكتشفت أن الشاعر شخص يتحدث الله من خلاله . لا بد أن يكون الشعر هاجساً يستولي عليك . وقد جربت يدي في كتابة الشعر, لكني اكتشفت بعد بعض الوقت أن الله لا يتحدث لي . وقد شعرت بالأسف لهذا, ثم حاولت أن أتخيل إن كان الله يتحدث من خلالي, فماذا يمكن أن يقول؟ بدأت أكتب بصبر, وببطء, محاولاً أن أفهم ذلك . وهذه هي الكتابة النثرية, الكتابة القصصية. ومن ثم فقد عملت مثل الكاتب الموظف . بعض الكتّاب الآخرين يعتبرون هذا التعبير نوعاً من الإهانة . لكني أقبله, نعم, أنا أعمل مثل "الكتبة".
المحاورة : هل يمكن أن تقول إن كتابة النثر قد أصبحت أكثر سهولة بالنسبة لك بمرور الوقت ؟
باموق : لسوء الحظ, لا . أحياناً أشعر أن بطلي لا بد أن يدخل غرفة, ولكني لا أزال لا أعرف كيف أجعله يدخل . قد أكون أكتسبت المزيد من الثقة بنفسي, وهو ما يمكن أن يكون غير مفيد أحياناً, لأنك في هذه الحالة لاتجرب, وإنما تكتب فقط ما يعنّ لقلمك . لقد ظللت أكتب القصص طوال الثلاثين عاماً الأخيرة, ومن ثم لا بد أن أفكر أنني قد تحسنت قليلاً . ولكني لا أزال أحياناً أقف عند نقطة ميتة كنت أظن أنني لن أجد مثلها على الإطلاق . بطلي لا يستطيع دخول غرفة, وأنا لا أعرف ماذا أفعل . حتى بعد ثلاثين عاماً .
إن تقسيم كتاب إلى فصول أمر بالغ الأهمية لطريقتي في التفكير . عندما أكتب رواية, لو كنت أعرف خط القصة كاملاً مقدماً – وفي معظم الأوقات أعرف ذلك – أقسمها إلى فصول, وأفكر في تفاصيل ما أريد أن يحدث في كل فصل منها . ولا أبدأ بالضرورة بالفصل الأول وأكتب كل الفصول التالية بالترتيب . عندما أصاب بحالة توقف, وهو أمر ليس مرعباً جداً بالنسبة لي, أستمر في أي شيء يسترعي خيالي . قد أكتب من الفصل الأول إلى الخامس, ثم, إن لم أكن مستمتعاً به, أتركه إلى الفصل الخامس عشر وأستمر من هناك .
المحاورة : هل تعني أنك ترسم خريطة كاملة للكتاب مقدماً ؟
باموق : كل شيء, على سبيل المثال, تحتوي رواية اسمي أحمر, على الكثير من الشخصيات, وقد عينت لكل شخصية عدداً من الفصول . وعندما كنت أكتب, أحياناً أود أن " أكون " إحدى الشخصيات . وهكذا, عندما أنتهي من كتابة أحد فصول شكور, الفصل السابع مثلاً, أقفز إلى الفصل الحادي عشر, الخاص بها مرة أخرى . كنت أحب أكون في دور شكور . فالقفز من شخصية أو من أحد الأبطال إلى شخصية أخرى يمكن أن يكون مثيراً للاكتئاب .
لكن الفصل الأخير دائماً أكتبه في النهاية . هذا مؤكد . أحب أن أغيظ نفسي, أسأل نفسي ماذا يمكن أن يمكن أن تكون النهاية . ولا أستطيع كتابة النهاية إلا مرة واحدة . وعندما تقترب الخاتمة, قبل أن أنتهي, أتوقف وأعيد كتابة معظم الفصول المبكرة .
المحاورة : هل يكون لديك أي قاريء أثناء عملك ؟
باموق : دائماً أقرأ عملي إلى الشخصية التي أشاركها حياتي, وأشعر دائماً بالامتنان إذا قالت لي : أرني أكثر, أو أرني ماذا فعلت اليوم . هذا لا يقدم بعض الضغط الضروري, لكنه يشبه أن تكون لديك أم أو أب يربت على ظهرك ويقول : أحسنت . أحياناً, قد تقول لي, آسفة, هذا لا يقنعني . وهذا جيد, أحب هذا النوع من الطقوس .
ودائماً أتذكر توماس مان, أحد الشخصيات التي أعتبرها مثلاً أعلى . كان معتاداً على جمع العائلة معاً, أطفاله الستة وزوجته . وكان يقرأ لكل عائلته مجتمعة . أحب هذا . الأب يروي قصة .
المحاورة : عندما كنت صغيراً كنت تريد أن تكون فناناً تشكيلياً . متى تخليت عن حب الرسم إلى حب الكتابة ؟
باموق : عندما كنت في الثانية والعشرين . منذ كنت في السابعة كنت أريد أن أصبح فناناً تشكيلياً, وكانت عائلتي قد تقبلت هذا . كلهم ظنوا أنني سوف أكون رساماً شهيراً . لكن حدث شيء في رأسي وتبينت أن أحد المسامير لم يكن مربوطاً بإحكام وتوقفت عن الرسم, وسرعان ما بدأت أكتب روايتي الأولى .
المحاورة : أحد المسامير غير مربوط بإحكام ؟!
باموق : لا أستطيع أن أوضح الأسباب التي من أجلها فعلت ذلك . لقد نشرت أخيراً كتاباً بعنوان " إسطنبول " . نصف هذا الكتاب هو سيرتي الذاتية حتى تلك اللحظة, والنصف الآخر مقال عن اسطنبول, أو بدقة أكبر, رؤية طفل لإسطنبول . إنه يجمع بين التفكير في الصور والمناظر وكيمياء مدينة, وإدراك طفل لتلك المدينة, والسيرة الذاتية لذلك الطفل . العبارة الأخيرة من الكتاب تقول : " قلت : لا أريد أن أصبح فناناً, سوف أكون كاتباً " . وليس هناك شرح لذلك . رغم أن قراءة الكتاب كله قد تفسر شيئاً .
المحاورة : هل كانت روايتك الأولى في ذهنك بالفعل عندما قررت أن تترك الرسم؟ هل هذا هو السبب الذي جعلك تفعل ذلك؟
باموق : بقدر ما أتذكر, أردت أن أكون روائياً قبل أن أعرف ماذا أكتب . والواقع أنني عندما بدأت أكتب بدايتين أو ثلاث بدايات فاشلة . ولا تزال الدفاتر عندي . لكن بعد حوالي ستة أشهر بدأت مشروع رواية كبيرة نشرت في النهاية تحت عنوان " جودت بيه وأولاده " .
المحاورة : إلتزامك بالأدب القصصي أوقعك في مشكلات ومتاعب . من المحتمل أن يوقعك في المزيد من المتاعب . لقد كان يعني توتر الصلات العاطفية . إنه ثمن غالٍ .
باموق : نعم, لكنه أمر مدهش ورائع . عندما أسافر, ولست وحدي على مكتبي, بعد فترة أشعر بالاكتئاب . إنني سعيد عندما أكون وحيداً في غرفة وأبدع . إن ما أكرس له نفسي أكثر من مجرد الإلتزام بالفن أو بالمهنة, إنه الإلتزام بأن أكون وحدي في غرفة . وأنا مستمر في أداء هذه الشعيرة, مؤمناً بأن ما افعله الآن سوف ينشر في يوم ما, ويجعل أحلام يقظتي شيئاً مشروعاً . إنني بحاجة إلى ساعات انفرادية على مكتب مع ورق جيد وقلم متدفق مثلما يحتاج بعض الناس إلى تناول حبة من أجل صحتهم . وأنا ملتزم بهذه الشعائر .
المحاورة : لمن, إذن, تكتب ؟
باموق : كلما مرّ الزمن وقصرت الحياة, يسأل الإنسان نفسه هذا السؤال كثيراً . لقد كتبت سبع روايات . وأحب أن أكتب سبع روايات أخرى قبل أن أموت . ولكن رغم كل شيء, الحياة قصيرة . فماذا عن المزيد من الاستمتاع بالحياة؟ أحياناً أضطر إلى إجبار نفسي حقاً . لماذا أفعل ذلك؟ ما معنى كل هذا؟ أولاً, كما قلت, إنها غريزة أن أكون وحدي في غرفة ؟ ثانياً, هناك جاتب تنافسي صبياني داخلي يريد أن يحاول كتاباً جيداً مرة أخرى . ويقلّ إيماني بخلود المؤلفين شيئاً فشيئاً . إننا نقرأ القليل للغاية من الكتب التي كتبت منذ مائتي عام . هناك أشياء تتغير بسرعة لدرجة أن كتب اليوم قد تنسى في مدى مائة عام . قليل جداً سوف يُقرأ . بعد مائتي عام, ربما سوف تكون خمسة كتب من كتبنا اليوم فقط حية . فهل أنا واثق من أنني أكتب واحداً من هؤلاء الخمسة؟ ولكن هذا هو معنى الكتابة؟ لماذا ينبغي أن أهتم بقراءة كتبي بعد مائتي عام؟ أليس من الأفضل أن أهتم بالحياة لوقت أطول؟ هل أنا بحاجة لأن أعرف أنني سوف أُقرأ في المستقبل كعزاء؟ إنني أفكر في كل هذه الأشياء و أستمر في الكتابة . ولا أعرف لماذا . لكنني لا أيأس أبداً . هذا الاعتقاد بأن كتبك سوف يكون لها تأثير في المستقبل هو العزاء الوحيد لديك لكي تشعر بالاستمتاع في هذه الحياة .
المحاورة : إسطنبول تعطي إحساساً بأنك كنت دائماً شخصية شديدة الوحدانية. إنك وحيد بكل تأكيد ككاتب في تركيا الحديثة اليوم . نشأت ومستمر في الحياة في عالم أنت منفصل فيه .
باموق : رغم أنني نشأت في عائلة مزدحمة, وتعلمت أن أحترم الجماعة, فإنني فيما بعد امتلكت نبض التمرد والخروج . هناك جانب مدمر للذات داخل نفسي, وفي نوبات الغضب ولحظات الغيظ أفعل أشياء تقطعني عن الصحبة الطيبة للمجتمع . وفي بدايات حياتي, تبينت أن الجماعة تقتل خيالي . إنني بحاجة إلى ألم الانفراد لجعل خيالي يعمل . وهنا أشعر بالسعادة . ولكن كوني تركيّاً, بعد قليل أجدني بحاجة إلى السلوان الرقيق للجماعة, وهو ما قد أكون قد دمرته . إسطنبول دمرت علاقتي بأمي ونحن لم نعد نرى أحدنا الآخر . وبالطبع, لا ألتقي بأخي إلا نادراً . علاقتي بعامة الأتراك, بسبب تعليقاتي الأخيرة, صعبة أيضاً .

* من حوار صحفي مع أورهان باموق لمجلة " باريس ريفيو " .